فيفري 2021
في فضل اللغة العربية
لا يتمثل فضل اللغة العربية في خصائصها البلاغية والنحوية و الصرفية فحسب، بل يتعداه إلى خصائص فلسفية فريدة. فالاختزال وتكثيف المعنى، يمنحها اقتدارا على قول الكينونة، و استدعاء الوجود في فضاء الحروف. نتاج مرونتها وطواعيتها بفضل تمفصلها.
فتنجز الكلمة الواحدة الصهر اللساني لأبعاد الوجود في تناغم فريد: البعد الميتافيزيقي الأنطولوجي/ الفنمنولوجي/الهرمنوطيقي/الايطيقي/الاستيطيقي/الفيزيقي الموضوعي/الثقافي/الإيديولوجي.
وتسمح الكلمة بلقاء المطلق والخصوصي و المقيٓد. وتزاوج الذوات والشخوص في احتفالية واحدة :
الذات الإلهية المطلقة، الذات البشرية المعينة، و عالم الشيئية العيني. و تقتدر على الإحضار والحضور: إحضار إرادة فاعلة فوقية عليا غيبية، إلى إرادة فعلية شاهدة، إلى موضوعهما و محلهما المنفعل. مزاوجة اللازماني إلى الزمني إلى الحدثي. المطلق اللاهوتي إلى الواقعي الناسوتي إلى الكوسمولوجي. فتجري فعلا في منفعل لصالح منتفع، وتكون الكلمة شاهدة وعدلا ورسالة. و تخاطب وتعلم وتشهد. و تجمع فوقا و تحتا و وسطا. كل هذا مكثفا في كلمة واحدة...
إليكم هذا النص لابن حزم الأندلسي من كتابه : الإحكام في أصول الأحكام :
" ... فإن اللغة يسقط أكثرها ويبطل بسقوط دولة أهلها ودخول غيرهم عليهم في مساكنهم، أو بنقلهم عن ديارهم واختلاطهم بغيرهم. فإنما يقيد لغة الأمة وعلومها وأخبارها قوة دولتها ونشاط أهلها وفراغهم. وأما من تلفت دولتهم، و غلب عليهم عدوهم، و اشتغلوا بالخوف و الحاجة و الذل وخدمة أعدائهم، فمضمون منهم موت الخواطر. و ربما كان ذلك سببا لذهاب لغتهم، و نسيان أنسابهم وأخبارهم، و بيود علومهم. هذا موجود بالمشاهدة و معلوم بالعقل ضرورة."..