مارس 2021

الحرية وعي عام ... والقوة إجماع

بشير عبد السلام

  • image


 

لم تكن قوة الاتحاد السوفيتي قبل البروسترايكا إلا أطنانا من الخردة منتشرة في كل الأنحاء . و لم تنفع البروبقندا السوفيتية في إخفاء هذه الحقيقة طويلا إذ سرعان ما اكتشف الروس قبل غيرهم أن ما راكمته دولتهم طوال عقود لم يكن إلا مجرد فوضى و صناعة وهم .

لماذا ؟

لان عنصرين من عناصر الحداثة الإنسانية لم يتوفرا أصلا أو لم يتوفرا بالقدر الكافي : الحرية و القوة .

ذلك أن الحرية بما هي المعطى الإنساني ضمن مكنة الدولة لا يمكن فبركتها على عجل أو تصنيعها كما نريد و نشاء. فهي ذلك التمشي الجمعي نحو قيم عليا تبدأ بالحرص على المشترك و تنتهي بالحرص على المتقن في كل عمل. تبدأ بعدم الخوف و تنتهي بالاطمئنان و الأمن .

تبدأ بالعمل و تنتهي بالإبداع .

تبدأ بالإنسان و تنتهي عند المواطن .

تبدأ بالمساواة و تنتهي بالعدل.  

إنها الحرية التي لا يمكن تدريسها فقط للاقتناع بأنها بداية كل شيء و لكن يجب تجريبها و عيشها حقا حتى يصل شعب ما إلى القناعة بان الزمن الماضي بدون حرية لم يكن إلا عبودية و قهرا وحياة بلا معنى ...في عهد حقيقي من الحرية تحقق بفضل تضحيات حقيقية من شعب بأكمله طوال عقود طويلة.  و ضمن عهد حقيقي من الثورة التي أسست لهذه الحرية التي سينعم بها ( من )  لم يحلم البعض منهم حتى بمجرد الاقتراب من صناديق الاقتراع.  فأول بركات الحرية التي جاءت بها الثورة إنها تسمح للجميع التمتع بكل خياراتها و فضاءاتها حتى أولائك الذين لا يؤمنون بها . و حتى أولائك الذين يتلاعبون ضمنها متحايلين على قواعدها بالمال آو بالتهرب من مسؤولياتهم التاريخية لكي يعيدوا نفس السلوكيات للاستيلاء على قيادة الشأن العام . لكن هؤلاء ينسون آو يحاولون التغافل أن وجهان آخران يرافقان الحرية باستمرار . فضمن عالم الحرية تنبت و تزدهر عوالم المعلومة المتحينة والحقيقية ، كما تزدهر عوالم الإعلام البديل.

و ضمن مجتمع الحرية لا يقبل الناس الدق و التطبيل الإعلامي الموجه و الخبيث و المتعفن و المحنط.  و ضمن مجتمع الحرية لا تنطلي بسهولة على الناس حيل البروبقندا و الدعايات الممجوجة و الحملات السياسية المشبوهة . و ضمن مجتمع الحرية لا يقدر من انتهى عصرهم و انتهت صلوحيتهم العودة إلى العمل في الشأن العام عبر مواصفات الشفافية و قواعد الحوكمة الرشيدة ، لان من قواعد الحرية تعبئة المؤسسات الدستورية، علاوة على مؤسسات المجتمع المدني ، للمراقبة الشديدة و المحاسبة إن لزم الأمر.  و ضمن مجتمع الحرية المدافع عن نفسه و عن مؤسساته باستمرار لا يمر احد إلى قيادة الشأن العام إلا عبر الانتخابات.  و أعداء الحرية من النظام المخلوع لا يؤمنون ، منذ ستين سنة، لا بالحرية و لا بالشفافية و لا بالحوكمة الرشيدة و لا بالتنمية العادلة و لا بالانتخابات النزيهة و لا بالتداول السلمي على السلطة و لا بالمؤسسات الدستورية المستقلة و لا بالعدالة الانتقالية . ولا بالمواطن و لا بالوطن . و من نافلة القول أن هؤلاء لا يؤمنون بالثورة و لا بدستورها ولا بنظامها و لا بمؤسساتها.  كما لا يؤمن المتطرفون و المهربون و الإرهابيون بالثورة ومؤسساتها.  كما لا تؤمن قوى خارجية عديدة بالثورة و مؤسساتها و قياداتها و حريتها التي تزعج الكثيرين .

لكن للحرية وجهها الآخر الذي يزعج جميع هؤلاء ألا وهي قوة الإجماع و قوة المؤسسات و قوة الانتخابات و قوة القانون. ينسى أعداء الحرية أن المجتمع الحر أكثر شراسة في الدفاع عن حريته التي يعيشها من مجتمع يناضل من اجل الانعتاق من الديكتاتورية و العبودية طلبا للحرية . هل نستغرب التقاء كثير من المجانين شرقا و غربا متنافسين على دفع أموال البترول كيدا للثورة ؟

 

 من كتاب

الكرتوش الحي

مقالات في الثورة