مارس 2021

لا عزاء للأغبياء ...

بشير عبد السلام

  • image


سنة 2015 او عام 2051 .

من كان شابا هذه السنة في عمر العشرين أو الثلاثين لن يتخيل سنة 2051 إلا وهما لن يأتي. ذلك أن الحاضر بمآسيه قد يكون جبلا من الصعوبات والمشاكل و التعقيد يستحيل معه ، لعقول تغرق في الآني، تخيل أدوات للرؤية القريبة ، فما بالك بأدوات لرؤية بعيدة    و ثاقبة و دقيقة.  

تعرف الشعوب المتخلفة بثلاثة عيوب قاتلة :

الجهل و العجلة و الغش .

و ليست هذه العيوب متأصلة في شعب عربي أو شعب مسلم كما يعتقد بعض الناس    . و لكنها تلتصق بشعوب كثيرة شرقا و غربا . كما أنها تلتصق بشعوب عادة ما تعيش فوق أراض خصبة وغنية بثرواتها الطبيعية.  فهي لا تقيم عادة للعلم أي وزن ، و لا تهتم بالتعلم إلا بالقدر الذي يضمن شهائد العبور إلى الوظيفة. و هي تستعجل الحصول على كل شيء   و للوصول إلى أي مبتغى ، لا تتقن عملا أبدا ، و تقوم في تعاملاتها على الغش في كل شيء. تستجدي القوت و الدواء و الأمن من غيرها حتى تصل إلى إحدى نهايتين: إما العبودية      و الاندثار تحت أقدام الأقوياء ، و إما الانتفاضة و الثورة حين يقف الرجال في صف الرجال. شعوب كثيرة دارت حياتها حول و في قلب رحى العبودية و الفقر و خاضت معارك وهمية لعشرات السنين، غرقت في التفاهات ، و أنتجت أجيالا من المخنثين و من المتواكلين و من الحالمين و من الهاربين و من الواهمين و من التّبع المتطفلين ، تآكلت من الداخل ، فغرقت في الفوضى و السير نحو المجهول ، و باعت مستقبلها و مستقبل أجيالها من أجل حياة قذرة.  

شعوب كثيرة لا زالت تعيش اليوم على فتات الأقوياء و الأغنياء و المتنفذين في العالم ، تحلم بلكنة الاغتراب و مصابة بعمى الألوان و الذاكرة . شعوب كثيرة يعش شبابها و شاباتها اليوم على فتات ثقافات المعتوهين و المجانين.  شعوب كثيرة تعيش اليوم الفوضى ، ولا معنى لاستدعاء أمثلة من التاريخ ، و العبث على مرأى من العالم الذي يتفرج على مآسيها عبر نشرات الأخبار،  ثم يذهب للعمل كل يوم مستثمري تلك الماسي لزيادة ثرواتهم         و نفوذهم و سيطرتهم .

 شعوب كثيرة تعيش فوق ثروات هائلة ، و فوق أراضي خصبة ، وفوق تاريخ مجيد شيده أجداد أشداء، هدرت كل ما لديها و سلمت أمرها، في عهد غفلة و فقر ، إلى محترفي الإجرام العالمي ليتسكعوا في مصائرها و ليدوسها تاريخها و حاضرها . شعوب كثيرة تشيد فوق أراضيها عمارات و أبراج شاهقة ليعبث فيها تجار السلاح و المخدرات و الحروب ،           و ليتسلوا بغباوة و بداوة أهلها الذين ينفقون كل يوم ثروات مجحفة على قطعان الإبل عبر مسابقات مجنونة تبث على تلفزيونات الساتل و كأنها هدايا علب حلوى للأطفال المعتوهين .

شعوب كثيرة تعيش في عتمة ظلام عالم يدور بسرعة الضوء ، علما و تقدما و حرية          و إنتاجا، قابعة تنتظر بزوغ فجر لن يأتي ، تمضي لياليها فرجة على عجائب السحر و الجن و المهاترات ،  تحلم بالعظمة و السمو ، و هي ترزح تحت عرق وفظاعات الأسياد            و العملاء . ما ذا يفعل القدر لكسل هؤلاء ؟  قد تفتح للبعض نافذة واحدة للأمل ، فان لم ينتبه لها أحد فلا عزاء للأغبياء . سيعود الظلام للانتشار، و ستعم الفوضى، و سينتحر من بقيت فيه بقية كرامة و حرية وعقل. لكن التاريخ يعلمنا أن الرجال عادة لا ينتحرون،  و دائما ما ينتصرون . أما سنة 2051 فإنها ستأتي حتما ؟؟

من كتاب

الكرتوش الحي

مقالات في الثورة